في الأسبوعين الماضيين، مع انخفاض أسهم مجموعة «أداني» الهندية بعد تقرير لشركة أميركية للبيع على المكشوف، غرّد لاعب كريكيت سابق شهير لديه 23 مليون متابع على «تويتر» قائلاً: «تقدم الهند لا يغفره البيض». وتذرّع المتحدث باسم المجموعة بمذبحة عام 1919 سيئة السمعة التي راح ضحيتها ما يقرب من 400 مدني أعزل على يد القوات البريطانية.

وقبل أيام قليلة فقط، حظرت الحكومة الهندية فيلماً وثائقياً من جزءين عن دور رسمي مزعوم في أعمال شغب ذات طابع طائفي عام 2002 واتهمت صانعيه (هيئة الإذاعة البريطانية) بـ«استمرار العقلية الاستعمارية». وهي شحنة سرعان ما تردد صداها في جميع أنحاء المجال العام في الهند. فالنخبة الهندية ليست وحدها التي ترفع الراية القديمة المناهضة للاستعمار ضد المنتقدين الغربيين.

ففي العام الماضي، وأثناء إعلانه ضم أربع مقاطعات أوكرانية، ندد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طويلاً بالنهب التاريخي للغرب في الهند والصين وأجزاء أخرى من آسيا وأفريقيا، ووصف روسيا بأنها زعيمة تحالف عالمي مناهض للاستعمار وضد الغرب «العنصري» و«الاستعماري الجديد».

لم تنتشر الإدانة الأخلاقية للقوى الغربية على مثل هذا النطاق الواسع منذ منتصف القرن العشرين، حين كانت «الدول الداكنة»، كما وصفها دبليو.إي. بي.دو. بوا، تحارب من أجل تقرير مصيرها القومي. وعلى الرغم من تضخيمها من قبل الزعماء الذين يخدمون مصالح أنظمتهم، فإنها تؤثر على تشكيل التصورات الجماهيرية وتؤدي إلى توتر العلاقات الجيوسياسية في جميع أنحاء العالم. وقد أصبحت النخب السياسية والإعلامية الغربية على دراية بالمشكلة وحجمها. وعلى سبيل المثال، كيف تبدو الدول ذات الأغلبية البيضاء في أوروبا وأميركا الشمالية معزولةً أكثر فأكثر في حملتها العسكرية والاقتصادية ضد روسيا؟

في استطلاع حديث للرأي، ألقى عدد أكبر من الهنود باللوم على «الناتو» والولايات المتحدة أكثر من روسيا في حرب أوكرانيا. ويعتقد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، أحد أكثر القادة إثارة للإعجاب في جنوب الكرة الأرضية، أن «الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مذنبان أيضاً». واتسع الدعم الشعبي لبوتين في إندونيسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا. كما أن خطاب بوتين المناهض للاستعمار يلقى بشكل متزايد آذاناً صاغية في أفريقيا.

ولن تقتنع هذه الدول كثيراً بالإشارة إلى أن روسيا التي تتظاهر بمناهضة الاستعمار تقوم في الوقت ذاته بضم أجزاء من أوكرانيا. وما زالت ذكرياتهم عن الاستغلال والتدخلات الكارثية من قبل الأوروبيين الغربيين والأميركيين قوية للغاية. ولعل الأهم من ذلك أنهم يرون أن سادة آسيا وأفريقيا السابقين ما زالوا يرفضون معالجة ماضيهم الطويل من العنف والسلب والنهب.

وينشغل كثيرون بإعادة اكتشاف سياسات وثقافة تفوق العرق الأبيض وجعلها ضمن التيار العام. ويقود حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، وهو مرشح رئاسي محتمل، جهداً «جمهورياً» لخنق الدراسة الأكاديمية حول آثار العنصرية. ويصعب فصل رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عن أقرانه لادعائه أن المستعمرين البريطانيين ما كان يجب لهم مغادرة أفريقيا أبداً. ويحاول كتاب جديد نال استحساناً واسعاً، وهو من تأليف أحد الدؤوبين على المساهمة في جريدة «التايمز» اللندنية، مناقشة الحجة «الأخلاقية» للاستعمار البريطاني.

ومثل هذه المراجعات جزء من نمط تحول فيه حتى عدد من السياسيين والصحفيين الليبراليين الوسطيين في الغرب، في مواجهة الأقليات الواثقة فكرياً وسياسياً، إلى إثارة الذعر الأخلاقي بشأن «الظلم الاجتماعي» و«ثقافة الإلغاء». لعقود من الزمن، أدعى الغربيون البيض أنهم صنعوا العالَم الحديث بما حققوه من انفراجات سياسية وفكرية وتكنولوجية. واليوم، في فترة التدهور الغربي النسبي، أصبح كثيرون من الناس يرون أنفسهم في رواية أخرى مقنعة بالقدر نفسه، وهي قصة أخضع فيها الرجال البيض جانباً كبيراً من سكان العالم واستخفوا بهم. ولا يمكن للقادة الغربيين أن يأملوا في إخماد مثل هذا الإجماع العميق والواسع الذي يعتمد على التجارب المؤلمة للإذلال الفردي والجماعي، من خلال قمع الأدلة العلمية على العنصرية والإمبريالية، أو التذمر من الاستياء.

وكان من الأفضل لهم أن يوجهوا ثقافاتهم السياسية والفكرية إلى مبدأ المساواة والحقائق السكانية والثقافة للتعددية. وأدركت الولايات المتحدة نفسها ذات مرة أهميةَ عدم فقدان الميزة الأخلاقية في الصراع العالمي للروايات. فحين أثار مشهد الشرطة المحلية وهي تعتدي بوحشية على المحتجين المطالبين بالحقوق المدنية في برمنجهام، ألاباما، عام 1963، اشمئزازاً دولياً، اضطر الرئيس جون كينيدي للتدخل. وكما أشار مارتن لوثر كينج، فإن كينيدي تحرك لأنه كان يسعى جاهدا لكسب «عقول وقلوب الرجال في آسيا وأفريقيا».

وخلال الحرب الباردة، انفصل القادة «الديمقراطيون» عن أنصار قوانين الفصل العنصري في الجنوب وسارعوا بتوسيع الحقوق المدنية للأميركيين الأفارقة؛ لأنهم كانوا يعلمون أن أي دولة تدعي النهوض بنظام ليبرالي متحضر قائم على القواعد يجب أن تجسده أولاً. واليوم، تدين الدولُ الغربيةُ العمليةَ العسكريةَ الروسية في أوكرانيا، بينما تتسامح مع الغطرسة العرقية والحضارية المستمدة من ماضيها الاستعماري. وقد يفوز بسهولة الانتهازيون المناهضون للاستعمار في هذه الحرب الدعائية.

*كاتب هندي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيت»